24- Experience through a socio- pastoral work in the northern Bekaa region Copy

Experiences of: Father Nicolas kluiters

Last update: 27 August 2025

Share

Reference of Social Work In The Face of Crises and Disasters Booklets – Part Two

Researcher – Hiam Samaha Kahi
Research Assistant – Aimee Ghanem

وفي الختام لا بدّ من التوّقف بإجلال وإحترام عند تجربة الأب اليسوعي، الأب نيقولا كلويترز Nicolas Kluiters التي إنتهت باستشهاده، وهو العامل الإجتماعي الذي نال شهادة الخدمة الإجتماعية في العام ۱۹۷۰، من المدرسة اللبنانية للتدريب الإجتماعي – جامعة القديس يوسف.

جاء هذا الأب الهولندي إلى لبنان عام ۱۹٦٦ (داغر، كارول، ۲۰۱۳)، فتعلّم اللغة العربية وتابع دروساً في الآداب العربية وفي تفسير القرآن وفي الصوفية وفي الإسلام. ودفعه إهتمامه المُفعَم بالفقراء وتوقه للعدالة الإجتماعية إلى الدخول في معترك الخدمة الإجتماعية وكما كان يقول تبعاً لقريبين منه: “لا تكفي طيبة القلب، فالخدمة الإجتماعية مهنة تُكتَسَب بالتعلّم“. في صيف ۱۹۷٤، عُيِّن في تعنايل واختار أن يمارس في منطقة قُرى الهرمل ودير الأحمر وحدث بعلبك المختلطة والأشد حرماناً، كما كان يقول.

غاب عن لبنان عام ۱۹۷۵ وعاد إليه مطلع خريف ۱۹۷٦ مع وعيه الكامل بالمخاطر التي تواجهه، وإستقرّ في بلدة برقا التي كانت معروفة بإنقساماتها العائلية والعشائرية، وأخذ على عاتقه القرى المجاورة حيث مارس عمله الرعوي-الإجتماعي.

بادر هذا الأب بعودته إلى إستكمال المشاريع التي كان قد باشر فيها قبل غيابه محاولاً إعادة الحياة إلى المنطقة التي أرهقتها سنوات الحرب الأولى. إكتشف العادات العشائرية والإنقسامات السياسية والعائلية والأحقاد المتوارثة ومنزلقات أعمال الثأر، فأطلق نشاطات تتوافق مع هذا الواقع. كان همّه الأساسي أن يُبقي السكان في قراهم وأن يسعى إلى إرساء السلام بين العشائر وبين الأديان، فقرّر أن يُعلن الحرب على الحرب على طريقته، الحرب الخارجية والحرب الداخلية، كما قال أحد مَن عرفوه. 

ساعد في شقّ الطرقات الزراعية، وأقنية جرّ المياه، وشراء الأدوات الضرورية للزراعة، وساهم في بناء المدارس والمستوصفات وتأمين قاعات للإجتماعات واللقاءات وفي تحسين الطرقات وتأمين ظروف حياة أفضل، بقدر المستطاع، في ظروف أمنية ومعيشية صعبة. وأنشأ مشغل خياطة للنساء مازال قائماً حتى اليوم. كلُّها مبادرات ومشاريع غيّرت شيئاً فشيئاً من واقع عدد كبير من العائلات. كان يطلق المشاريع ويبحث عن مصادر تمويلها ويحثّ على مشاركة جميع السكان مشاركة فاعلة، ويهتمّ بشكل خاص بإبراز النجاحات الجماعية ويسعى دوماً إلى المصالحة بين الأخصام ووضع حدّ للحرب بين العائلات والعشائر.

كان يعارض بطريقته تقسيم البلد ويؤمن بالتواصل بين الأديان وبالعيش المشترك، كان همّه مساعدة الناس على مساعدة أنفسهم. وبالطبع كان، إلى جانب كل ذلك، يقوم بأعماله الرعوية في منطقة البقاع الشمالي، كونه كاهن يسوعي، إلى جانب كونه عامل إجتماعي. 

تمتّع هذا الأب بقدرة الملاحظة والرقّة والتواضع والإنفتاح إلى جانب طبعه المنهجي الدقيق وجديّته وصرامته الخلقية وشجاعته وقدرته على الإنسجام مع كل الأوضاع.

كان دائماً يردّد: “يجب أن نسير إلى الأمام فالحبّ أقوى من البغض…”. 

تابع إلتزامه الإنساني والمهني تجاه المنطقة التي اختار أن يكون فيها بعزم وعناد، وظلّت التنمية الإجتماعية والإقتصادية والطبية والتربوية من أولوياته، وحقّق في خمسة سنوات ما كان غيره يحتاج لأضعافها، إلى أن إختُطِفَ في ۱۳ آذار ۱۹۸۵ على طريق شعث- نيحا، وفي الأول من نيسان وُجِدت جثّته مشوّهة ودُفِن في تعنايل. وكما قال أحدهم: “روى هذا الغريب بدمه الأرض عند أقدام أرز لبنان، بعد أن ساعد على ريّها بمياه الينابيع. لقد صاغ أمنيته: أن أكون سماد أرض البقاع الشمالي الخصبة والمهملة. في هذه الأرض تنمو اليوم جميع أنواع الثّمار، وينمو خصوصاً العمل، والأمل، والمحبة. في هذا المكان الذي أخرجه من حيّز النسيان، في أقاصي البلاد، يرتبط إسم هذا الأب اليسوعي بالأشجار المثمرة، والمياه الجارية في البساتين، وجوقة الكنيسة، وضحكة الأولاد في ملعب المدرسة.”